قراءة في رواية «المغامرة الغامضة »، السنغالي شيخ حامد كان .

0
337

بقلم / سرين مام مور امباكي حمدي .

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

مقدمة:

أمامنا قراءة في رواية «المغامرة الغامضة» l’aventure ambiguë، وهي للروائي السنغالي الشهير شيخ حامد كان Cheikh Hamidou KANE، صدرت الطبعة الأولى باللغة الفرنسية عام 1961م، وترجمت إلى العديد من اللغات، وإلى العربية مرتين، إحداهما للسنغالي الأستاذ محمد سعيد باه، وهي التي اعتمدناها، وقد نشرها عام 2012م «المجلس الوطني للفنون والآداب والثقافة» بدولة الكويت. تقع في 232 صفحة، في قسمين يحتوي كل منهما على تسعة فصول.
والقراءة بعد هذه المقدمة في تمهيد قبل التلخيص يليهما تعليق وخاتمة.

تمهيد:

ترجمة الروائيّ :

هو السنغالي شيخ حامد كان من مواليد 1928م، في سنه السابع أخذه والده إلى «المدرسة القرآنية» ومكث فيها سنتين، ثم أُدخل «المدرسة الأجنبية» في لوغاLouga ، قبل أن ينتقل إلى اندرNdar في مدرسة أبناء الزعماء (Ecole des fils de chefs ) أو مدرسة الرهائن ( Ecole des otages)، ثم إلى دكارDakar ، قبل أن يذهب إلى فرنسا لمواصلة دراساته في الحقوق والفلسفة، وبعد رجوعه إلى السنغال شغل مناصب حكومية مختلفة. مثقف كبير وكاتب شهير، ومن أشهر إنتاجاته الأدبية رواية «المغامرة الغامضة» l’aventure ambiguë وتوأمتها رواية «سدنة الهيكل»les gardiens du temple ، كلتاهما بالفرنسية، وتعتبر هذه الأخيرة الحلقة الثانية للأولى.

– التعريف بالرواية :

إنها عبارة عن رواية السيرة الذاتية للمؤلف وتجربته. وهي في الوقت نفسه تصوير للمعاناة التي يعانيها كل شاب مسلم يتمتع في قلبه بإيمان نشأ عليه وآلته ظروف التحصيل إلى «الغرب» للتعلم فيه والاحتكاك بأهله. وإن شئت قلتَ إن «المغامرة الغامضة» تحكي سيرة رجل ومسيرة أمّة، فإنها حكاية عن مسارين يلتقيان ويتقاطعان والحال هكذا -والناس في حيرة- وقف المؤلف ببراعة وجراءة، ليقول للأفارقة: «إن طريق النهضة ليس إلى الغرب»!
من خلال هذه الرواية الماتعة يأخذنا شيخ حامد كان إلى رحلة بعيدة، في «صراع الثقافات»: صراع في ذات الأفريقي المسلم بين الهوية الإسلامية والهوية الغربية، وذلك حين «تلاقى من لا تاريخ لهم (الغرب) بمن يحملون العالم فوق أكتافهم (الأمة الإسلامية)» [ص: 75].

تلخيص_الرواية:

إن بطل الرواية اسمه سمب جلُّ Samba Diallo، ينتمي إلى الأسرة المالكة في بلاد «جلُّوبِهْ»، وهي أسرة مسلمة متدينة، حريصة على تعليم أبنائها القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، ولما كان في السابعة من عمره، سلمه أبوه إلى «شيخ جلُّوبِهْ» (معلم القرآن)، والذي أعجب بالولد غاية الإعجاب لما كان يتمتع به من الذكاء والفطانة وقوة الذكرة والفصاحة؛ ولأنه أيضا كان يرى أن الصبي «ينتمي إلى صنف تلك البذور التي ظلت «أرض جلُّوبِهْ» تستنبت منها معلميها» [ص: 32].
بقي سمب جلُّ تحت إشراف هذا الشيخ المقرئ «شيخ جلُّوبِهْ»، الذي كان شديدا عليه يؤاخذه ويعذبه بأبسط لحن أو تتعتع، وذلك من أجل حرصه الشديد على تعليمه وتربيته رجاء أن يكون في المستقبل شيخ القبيلة وزعيمها الروحي. عانى الصبي في الكُتاب معاناة شديدة!
ظل سمب في الكتاب إلى أن أتم حفظ القرآن وكان على وشك بدء تعلم العلوم الدينية (رحلة البحث عن الله)، فأتى المستعمر بمدرسته الجديدة لاستقطاب أطفال الأفارقة؛ فتغيرت الأمور واختلفت آراء زعماء جلُّوبِهْ حول «المدرسة الجديدة» بين مؤيد لها ورافض.
وبعد صراع مرير بين أعيان «جلُّوبِهْ»، جنحوا إلى رأي «الملكة الكبرى»، أخت «زعيم جلُّوبِهْ»، وبنت عم سمب جلُّ، والتي أصرت وألحَّت على إدخال أطفالهم في «المدرسة الأجنبية» رغم بغضها لها، قالت: «لا أحب، بل أبغض المدرسة الأجنبية، ومع ذلك فوجهة نظري هي أن نبعث بأطفالنا إليها» [ص:71]، وكان هدفها من ذلك أن يتعلم أطفالهم «كيف يتأتى الانتصار دونما وجه حق» [ص:196]، أي ليقفوا على السر الذي سمح للبيض استعمار السود؛ وبالرغم من تيقنها من إمكانية فقدان الهوية كانت ترى ضرورة تمَلُّك العُدة التي امتلكها «رجل الغرب» لإرغامهم، «فالمدرسة التي أدفع إليها أولادنا ستقتل فيهم ذكرياتنا، وقد يحدث أن ننكرهم حين يعودون من المدرسة! أما الذي أقترحه فهو أن نقبل موتنا في أطفالنا، ثم يأتي الأجانب الذين هزمونا ليحلوا محلنا فيهم، ويأخذوا المكان الذي أخليناه» [ص:72]، هكذا كانت الملكة الكبرى قد قالت لآل جلُّوبِهْ لما جمعتهم قاطبة.
أُخذ سمب جلُّ من «الكُتاب» لإرجاعه إلى أبيه وإرساله إلى «المدرسة الأجنبية» والتي قال عنها مديرها للشيخ المقرئ: «كل ما تعلمه المدرسة للإنسان يتمثل في جعله قادرا على ضم خُشيبة إلى خشيبة؛ ليصنع بيوتا من خشب» [ص: 29]، إشارة إلى العلوم التجريبية وفنون الصناعة.
دخل الصبي الموهوب المدرسة، وتخرج فيها بتفوق على زملائه؛ ففاز بمنحة لمواصلة الدراسة في «الغرب»، وبالتحديد في باريس بفرنسا. ذهب سمب جلُّ وتلقى المعرفة، بل وسبر أغوار الفلسفة الغربية بدرجة عالية، وتعَرَّف بأسر غرْبية وأفريقية جرى بينه وبينها الاحتكاك والمثاقفة، وبعد إنهائه «شهادة الإجازة في الفلسفة» راسله أبوه ليعود، قائلا: «إن رأيي هو أن تعود، ولا يهمني كثيرا أن تكون قد أنهيت دراستك أم وصلت إلى الدرجة التي تريد، لقد حان الوقت لعودتك؛ كي تتعلم من جديد أن الله لا يقاس بشيء» [ص: 207].
آب الديك إلى القفص، ورجع سمب جلُّ إلى الجذور، إلى «أرض جلُّوبِهْ»، بعد أن غيرته «المدرسة الغربية»، وكان شيخه المقرئ قد توفي قبل شهرين، أتى سمب بلده تائها متحيرا ضائعا لا دليل له للرجوع إلى الطريق السوي الذي كان «شيخ جلُّوبِهْ» قد وضعه عليه، وقد بلغ به التيه إلى أن قال بعد رجوعه -خلال مونولوج داخلي مع شيخه-: «لم أعد أعتقد في كثير مما علمتني، لا أعرف ما أعتقد لكن حجم مساحة ما أجهله من الضخامة والرحابة، بحيث لا مندوحة لي من الاعتقاد» [ص: 220].
حاول سمب جلُّ الرجوع إلى التزاماته الدينية، لكنه عجز! عجز لأن الشك اختلج نفسه نتيجة الصراع الذي دار في ذاته، ما أدى إلى تخليه عن التزام الصلوات المفروضة، وفقدانه جل القناعات الإيمانية التي نشأ عليها، وفي زيارته لقبر «شيخ جلُّوبِهْ»، رفقة ذلك الغريب المدعو بـ«المجنون»، لما حان الوقت حثه هذا الأخير على الصلاة مصرا ملحا، لكن سمب جلُّ خلال مونولوجه تفوه بكلمات لا تليق بجلال الله، فاختطف المجنون حياته بسلاحه وهما قرب ضريح «الشيخ»!

تعليق:

ركز المؤلف في القسم الأول من الرواية على القوة الروحانية الهائلة للمسلمين، وذلك حين يحكي التكوين العلمي الديني لسمب جلُّ في «أرض جلُّوبِهْ»، وأما في القسم الثاني فقد نصب منصة لمحاكمة الحضارة الغربية، حين تحدث عن إقامة بطل الرواية في «أرض البيض» وتعمقه في الفلسفة الغربية، وتأثيرها السلبي فيه، ما أدى إلى انطفاء «الشمعة» الروحانية التي كانت تتوقد ليستنير بها، أي نسيانه ما كان قد تعلمه من «الشيخ»، قبل أن يدرس «فن الانتصار بلا تملك الحق» كما أمرته الملكة الكبرى ساعة توادعهما لذهابه إلى الغرب. إن «المغامرة الغامضة» في قصة سمب جلُّ تتجلى فيما أشار إليه «أمير آل جلُّوبِهْ» -في حديثه مع «شيخ جلُّوبِهْ»-: «إذا قلتُ لهم أن يذهبوا إلى المدرسة الجديدة سيُهرولون […] ويتعلمون نعم، لكنهم سَيَنسوْن شيئا. أيساوي ما سيتعلمونه ذلك الذي سينسونه؟!» [ص: 58]، وبعبارة أخرى: هل تساوي المعارف التجريبية التي تقدمها «المدرسة الأجنبية» تلك المعارف التي كان الأطفال يدرسونها في «المدرسة القرآنية»؟ فها هنا يكمن غموض المغامرة!
والقصة هكذا، ولعل من أكبر معضلاتها التساؤل عن نتيجة «المدرسة الغربية»؟
ما هي نتيجتها إذا ما استحضرنا كيف قدمها المدير -مشيرا إلى علوم التجربة وفنون الصناعة- بأنها تجعل الإنسان «قادرا على ضم خُشيبة إلى خشيبة؛ ليصنع بيوتا من خشب»، وأيضا كيف كانت الملكة الكبرى ترى ضرورة إرسال سمب جلُّ إلى «المدرسة الأجنبية»؛ ليمتلك «فن الانتصار بلا تملك الحق»، ولكن الغريب أنه تخرّج فيها شاكّا في يقينه ومعترفا بفقدان هويته قائلا لشيخه: «لم أعد أعتقد في كثير مما علمتَني. لا أعرف ما أعتقد لكن حجم مساحة ما أجهله من الضخامة والرحابة، بحيث لا مندوحة لي من الاعتقاد».
وهو تساؤل ينضم إلى تساؤل «أمير آل جلُّوبِهْ» القائل «إذا قلتُ لهم أن يذهبوا إلى المدرسة الجديدة سيُهرولون […] ويتعلمون نعم، لكنهم سَيَنسوْن شيئا. أيساوي ما سيتعلمونه ذلك الذي سينسونه؟!».
ترى هل فشلت «المدرسة الغربية»؟ أم أخطأ «آل جلُّوبِهْ»؟ أم سمب جلُّ هو الذي عدل عن طريقه؟ لستُ أدري! فهذه وغيرها من مغامرة الغموض وغموض المغامرة للمغامرة الغامضة.
هذا، ومما يؤاخذ به المؤلف اختلاط القرابة بين بعض الشخصيات مثلا اعتبار كل من الأمير وابنته مريم من أبناء عم سمب جلُّ…

خاتمة:

إن رواية «المغامرة الغامضة» تتحدث عن قضية «الهوية» وكيفية المحافظة عليها، في سياق تواجُه الحضارتين الغربية والإسلامية وتصادمهما، وقد سعى الروائي السنغالي شيخ حامد كان إلى تقديم سبيل «المصالحة»، أو بعبارة أخرى، كيف يبقى الإنسان محافظا على عقيدته مع الاقتباس من الآخر، وهذا يتجلى بوضوح، خصوصا حينما نقرأ توأمة هذه الروية التي أسماها المؤلف «سدنة الهيكل».
إن لهذه الرواية رموزا عديدة، ومعضلات معقدة مديدة، الشيء الذي جعل المترجم الأستاذ سعيد باه ينصح القارئ ألا يحاول تصفحها وهو مضطجع مرتخي العضلات [ص: 17]، فقمين بالباحثين قراءتها، وبالدارسين مطالعتها؛ لفك ألغازها وإشاراتها، ورفع الخمار عن أحاجيّها وتلويحاتها.
هذا، وليس هدف هذه «الكلمة» قراءة الرواية قراءة معمقة؛ وإنما تقتصر على تلخيصها تلخيصا مختصرا يقدم نبذة تجذب القارئ إلى اقتناء الكتاب وتشوقه إلى قراءته. وإن حصل هذا؛ يكن هدفنا قد أثمر!
واللهَ نرجو أن يجعل هذه القراءة مما يستفاد منه، ونشكر للأستاذ سعيد على خدمته لهذه الرواية الشائقة.
هذا وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici